بقلم عبدالسلام الطائي
ستتناول هذه الورقة، لمحة عن الواقع وبالوقائع لحروب المخدرات الايرانية في العراق منذ معارك القادسية الثانية بين العراق وايران، 1980/ 1988. سبق لنا وان سلطنا الضوء في دراساتنا على صيرورة ظاهرة (البريكية) المشتقة من رقصة ال (Break dance) التي شاعت بين المراهقين المعجبين برقصات المطرب الأميركي مايكل جاكسون، على اثرها شرعنا بإجراء دراسات ميدانية تتبعية للظواهر النفس/اجتماعية المصاحبة للحروب، لملاحقتها بطرق وقائية وعلاجية، سيما بعد ان ظهر لنا ان تلك الظواهر ما هي الا حركة من الحركات الاجتماعية المبطنة تتمترس خلفها سواتر سياسية وامنية خلال الحروب. نذكر اخرى مثلها ظاهرة الخنافس و(الهيبيز) التي ظهرت خلال الحرب الفيتنامية.
وبالرغم من كون ظاهرة (البريكية) المصحوبة بتعاطي المؤثرات العقلية والحبوب المخدرة (الكبسلة) بين المراهقين، لكنها كانت محدودة جدا خلال القادسية الثانية. كما كان معظم البريكية هاربين من خدمة الوطن ومن اصحاب السوابق، لتلك الثغرات الوطنية والسايكولجية، جندتهم ايران لصالحها مثلما جندت بعض الهاربين والاسرى، (التوابين) بـ (الانتفاضة الشعبانية) الايرانية.
الكبسليتاريا تمدد للكبسلة !
اقترن ظهور المخدرات وتعاطي المؤثرات العقلية المسماة بـ (الكبسلة) بانهيار صفة الالزام في القوانين العراقية بعد الاحتلال الأميركي الايراني عام 2003 ، فانتشرت المخدرات والكبسلة بين الشباب العراقي والحشد الشعبي الملقب بالحشد الوردي، جراء تعاطيهم الحبوب وردية اللون، والمؤثرات العقلية، حين خرجت عن السيطرة، سيما بعد شيوعها بين عناصر الجيش والاجهزة الامنية. هذا التكاثر البنيوي دفعني لطرح الموجة الطويلة القادمة من جيل (الكبسلة) والتي سأطلق عليها (الكبسليتاريا)، على وزن (البروليتاريا) لأنها باتت تمثل سمة غالبة.
اهتمت وزارة الداخلية والاجهزة الامنية والاعلامية بالعهد الوطني بهذا التحول المستجد في اقتران صيرورة البريكية ب(الكبسلة) وعمدت إلى قبرها في مهدها، وحينها كتب الصحفي سلام الشماع، عن دراستنا تلك الموسومة “شتان ما بين البريكية وحسون الأميركي” مقالاً في جريدة القادسية حينها، كما اشار اليها مشكورا ايضا بعد الاحتلال حينما اعتبرنا الحشد الشعبي الموجة الثانية من جيل البركية.
وفي عام 1993، اشرفنا على دراسة للسيد موفق مولود الناصري، يرحمه الله، الطالب في جامعة البكر للدراسات الاستراتيجية والعسكرية العليا، عن رسالته الميدانية الموسومة “المخدرات والامن القومي. من الجدير ذكره بهذا الشأن، لم تعثر الدراسة الميدانية للسيد الناصري على اي عراقي مدان بالمخدرات والمؤثرات العقلية لا في قسم الاحكام الطويلة (الثقيلة) ولا في قسم الاحكام القصيرة (الخفيفة) في دائرة اصلاح الكبار (سجن ابو غريب)، بل كان جميع المدانين، هم من نزلاء “قسم الوافدين للاجانب”، وكانوا من الايرانيبن والباكستانين والافغان والمصريين، وجنسيات أخرى.
(الكبسلتاريا) حجم الانتشار غير المشروع لعمليات (الكبسلة) بعد زيادة حجمها بشرياً واتساع رقعتها جغرافيا.
كانت المثلثات المجسمة الاجرامية الايرانية، كمثلث الموت بالمخدرات والمال والجنس، والمثلث الشيعي العراقي السوري اللبناني، من اهم الاهداف الستراتيجية الإيرانية في العراق والمنطقة لتغير الغلاف السكاني العربي بالفارسي، بالسلاح الجرثومي للمخدرات ايضا. لم يكن العراق يعرف المخدرات قبل العام 2003، بشهادة احصائيات مكتب المخدرات ومتابعة الجريمة التابع للأمم المتحدة، حيث اشار إلى أنه لم تسجل غير حالتين فقط لتجارة المخدرات ما بين عامي 1970 و 1990. وتعزيزا للاحصائيات الاممية اعلاه، كأكاديمين، نؤكد مصداقية تلك البيانات.
وبهذا الصدد نضيف من خلال دراساتنا الميدانية الوقائية التتبعية المعززة بتقارير الاجهزة المتخصصة التي استشعرت دخول مواد مخدرة ومؤثرات عقلية اثناء وبعد انسحاب الجيش العراقي من الكويت، ظهر انها كانت تسرب من ”دائرة صحة الكويت” ومستشفياتها خلال وبعد الغزو، تلاها “فقدان ادوية مخدرة”، من مديرية صحة كربلاء والنجف، ما يزال مرتكبوها وولاة امورهم انذاك احياء يرزقون، حيث تحول احد المشاركين بهذه الجريمة (ط. ر) من مدير لطبابة بسجن ابو غريب الى سجين بـ (بقسم الاحكام الطويلة (الثقيلة) ليقبع في زنزاناتها، واخران احيلا للتحقيق. والتفاصيل متوفرة لدى الكاتب.
وبسبب ذلك واللاهمية القصوى ايضا، بالنظر لارتباط الجريمة بعراقيين وبدول خارجية، الكويت وايران، احيل الامر الى اللجنة الرئاسية المتخصصة لتحليل الجرائم في القطر للتنسيق مع اللجنة العليا لمكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية التي تضم عددا من الوزارات والاجهزة الخاصة، للمعالجة. زاد حجم المدمنين والمتاجرين بعد احتلال القوات الأميركية والميليشيات الايرانية في 2003 من حالات فردية الى الاف المدمنين، ففي “إحصائية لمستشفى ابن رشد للأمراض النفسية في بغداد، اشارة الى وجود ثلاثة مدمنين على المخدرات من بين كل 10 افراد في العراق،. نجم عن ذلك انفلات امني ملفت جراء ارتفاع منسوب آفة المخدرات بصورة خيالية.
الامم المتحدة، من جانبها عززت في تقريرها احصائية مستشفى ابن رشد، وافادت ان من بين كل 10 اشخاص تتراوح اعمارهم بين 18 -30 سنة يدمن منهم ثلاثة، وان من بين كل ثلاثة منتسبين في القوات الامنية يتعاطى واحد مادة مخدرة. ويعزو التقرير انتشار هذه الظاهرة في العراق إلى تخفيف العقوبة القانونية، ولكون اغلب التجار مدعومين من قبل جهات متمكنة في الدولة لهم صلة بإيران، وبسبب هؤلاء بات معبر الشلامجة بين ايران والعراق من اخطر المعابر لتهريب المخدرات. ومن وجهة نظرنا، فإن سلاح القتل بالمخدرات والمؤثرات العقلية يعدُّ شكلاً من اشكال اسلحة الحروب الكاتمة للصوت التي تفوق مديات اضرارها الاسلحة الجرثومية .
ايران وحروب المخدرات
الواقع والوقائع التاريخية تبرهن على استباق ايران بقرون لعديد من دول العالم في حروب المخدرات، وبرهنت ايران ايضا ومنذ عقود على سبقها في احتلال اراضي عربية، احتلال الاحواز عام 1925، قبل احتلال العصابات الصهيونية لفلسطين 1948 بربع قرن. لقد شرعت ايران استخدام حروب الترياك والحشيش منذ القرنين 11-13 للميلاد، من قبل فرقة الحشاشين التابعة لـ (حسن الصباح) المنسوب الى مدينة (قم) الايرانية. وما تجدر الاشارة اليه ان كلمة الاغتيال حصرا، بالانكليزية والفرنسية اشتقت من اسم فرقة الحشاشين Assassin التي تعني (اغتيال) علما ان هذه الفرقة تعد اول تشكيل سياسي واداري منظم للاغتيال بسلاح المخدرات، وحاولت اغتيال محرر القدس، القائد صلاح الدين الايوبي، مثلما اغتالت ايران بعد الاحتلال صدام حسين الذي جرّع السم بحلق خميني ودك الكيان الصهيوني بالصواريخ.
لم يكن العراق يعرف المخدرات قبل العام 2003، بشهادة احصائيات مكتب المخدرات ومتابعة الجريمة التابع للأمم المتحدة، حيث لم تسجل غير حالتين فقط لتجارة المخدرات ما بين عامي 1970 و 1990. ومن صفحات السجل الاسود لايران باستخدام المخدرات، استخدامها لها قبل ان تستخدمه بريطانيا والصين في حرب الافيون، بين عامي 1840 و 1842. ونظراً لما سببه نهر المخدرات والدماء المتدفقة منذ عقود من إيران إلى العراق، والتي بسببها تحول العراق من بلد خال من المخدرات الى ممر لتجارة المخدرات الأفغانية والإيرانية باتجاه دول الخليج العربي، شكل ذلك مصدرا للارهاب وسوقاً لها.
بناء عليه، تكمن اهمية هذه الورقة، لكون متلازمة الاغتيال بالمخدرات لاغتيال الشباب بالاسلحة الكاتمة للصوت، التي بات تأثيرها المجتمعي يفوق الاسلحة الذرية في مديات انتشارها وانشطارها على المجتمع العراقي والخليجي. لذلك شكلت حرب المخدرات الايرانية مصدر قلق لمشاريع مكافحة الارهاب الاقليمي والدولي سيما بعد هيمنة ايران على دول المثلث الذهبي لترويج المخدرات، ايران ولبنان والقات في اليمن.